سورة الفرقان - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


{وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (50)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ} يعني القرآن، وقد جرى ذكره في أول السورة: قوله تعالى: {تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ}. وقوله: {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي} وقوله: {اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً}. {لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً} أي جحودا له وتكذيبا به.
وقيل: {وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ} هو المطر. روى عن ابن عباس وابن مسعود: وأنه ليس عام بأكثر مطرا من عام ولكن الله يصرفه حيث يشاء، فما زيد لبعض نقص من غيرهم. فهذا معنى التصريف.
وقيل: {صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ} وابلا وطشا وطلا ورهاما- الجوهري: الرهام الأمطار اللينة- ورذاذا.
وقيل: تصريفه تنويع الانتفاع به في الشرب والسقي والزراعات به والطهارات وسقى البساتين والغسل وشبهه. {لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً} قال عكرمة: هو قولهم في الأنواء: مطرنا بنوء كذا. قال النحاس: ولا نعلم بين أهل التفسير اختلافا أن الكفر ها هنا قولهم مطرنا بنوء كذا وكذا، وأن نظيره فعل النجم كذا، وأن كل من نسب إليه فعلا فهو كافر.
وروى الربيع بن صبيح قال: مطر الناس على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات ليلة، فلما أصبح قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أصبح الناس فيها رجلين شاكر وكافر فأما الشاكر فيحمد الله تعالى على سقياه وغياثه وأما الكافر فيقول مطرنا بنوء كذا وكذا».
وروى من حديث ابن مسعود عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «ما من سنة بأمطر من أخرى ولكن إذا عمل قوم بالمعاصي صرف الله ذلك إلى غيرهم فإذا عصوا جميعا صرف الله ذلك إلى الفيافي والبحار».
وقيل: التصريف راجع إلى الريح، وقد مضى في البقرة بيانه. وقرأ حمزة والكسائي {ليذكروا} مخففة الذال من الذكر. الباقون مثقلا من التذكر، أي ليذكروا نعم الله ويعلموا أن من أنعم بها لا يجوز الاشراك به، فالتذكر قريب من الذكر غير أن التذكر يطلق فيما بعد عن القلب فيحتاج إلى تكلف في التذكر.


{وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (51) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (52)}
قوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً} أي رسولا ينذرهم كما قسمنا المطر ليخف عليك أعباء النبوة، ولكنا لم نفعل بل جعلناك نذيرا للكل لترتفع درجتك فاشكر نعمة الله عليك. {فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ} أي فيما يدعونك إليه من اتباع آلهتهم. {وَجاهِدْهُمْ بِهِ} قال ابن عباس بالقرآن. ابن زيد: بالإسلام.
وقيل: بالسيف، وهذا فيه بعد، لان السورة مكية نزلت قبل الامر بالقتال. {جِهاداً كَبِيراً} لا يخالطه فتور.


{وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (53)}
قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} عاد الكلام إلى ذكر النعم. و{مَرَجَ} خلى وخلط وأرسل. قال مجاهد: أرسلهما وأفاض أحدهما في الآخر. قال ابن عرفة: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} أي خلطهما فهما يَلْتَقِيانِ، يقال: مرجته إذا خلطته. ومرج الدين والامر اختلط واضطرب، ومنه قوله تعالى: {فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ}. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن عمرو بن العاصي: «إذا رأيت الناس مرجت عهودهم وخفت أماناتهم وكانوا هكذا وهكذا» وشبك بين أصابعه فقلت له: كيف أصنع عند ذلك، جعلني الله فداك! قال: «الزم بيتك واملك عليك لسانك وخذ بما تعرف ودع ما تنكر وعليك بخاصة أمر نفسك ودع عنك أمر العامة» خرجه النسائي وأبو داود وغيرهما.
وقال الأزهري: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} خلى بينهما، يقال مرجت الدابة إذا خليتها ترعى.
وقال ثعلب: المرج الاجراء، فقوله: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} أي أجراهما.
وقال الأخفش: يقول قوم أمرج البحرين مثل مرج فعل وأفعل بمعنى. {هذا عَذْبٌ فُراتٌ} أي حلو شديد العذوبة. {وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ} أي فيه ملوحة ومرارة.
وروى عن طلحة أنه قرئ {وهذا ملح} بفتح الميم وكسر اللام. {وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً} أي حاجزا من قدرته لا يغلب أحدهما على صاحبه، كما قال في سورة الرحمن {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ. بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ}. {وَحِجْراً مَحْجُوراً} أي سترا مستورا يمنع أحدهما من الاختلاط بالآخر. فالبرزخ الحاجز، والحجر المانع.
وقال الحسن: يعني بحر فارس وبحر الروم.
وقال ابن عباس وابن جبير: يعني بحر السماء وبحر الأرض. قال ابن عباس: يلتقيان في كل عام وبينهما برزخ قضاء من قضائه. {وَحِجْراً مَحْجُوراً} حراما محرما أن يعذب هذا الملح بالعذب، أو يملح هذا العذب بالملح.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13